فصل: فصل في ثواب القرض:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قوله جلّ ذكره: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}.
سُمِّي القرض قرضًا لأنه يقطع من ماله شيئًا ليعطيه للمقترض، والمتصدِّق لما يقطع الصدقة من ماله سميت صدقته قرضًا، فالقرض القطع، ولكن هذه التسمية لحفظ قلوب الأحباب حيث خاطبك في باب الصدقة باسم القرض ولفظه.
ويقال دلّت الآية على عِظَم رتبة الغَنِيِّ حيث سأل منه القرض، ولكن رتبة الفقير في هذا أعظم لأنه سأَل لأَجْله القَرضَ، وقد يسأل القرض من كل أحد ولكن لا يسأل لأجل كل أحد. وفي الخبر «مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند أبي شحمة اليهودي على شعير أخذه لقوت عياله أَبْصِرْ مِمَّن اقترض ولأجل مَنْ اقترض».
ويقال القرض الحسن ما لا تتطلع عليه لجزاء ولا تطلب بسببه العِوَض.
ويقال القرض الحسن ألا يعطى على الغفلة، وإنما يعطى عن شهود.
ويقال القرض الحسن من العلماء إذا كان عند ظهر الغني، ومن الأكابر إذا كان بشرط الإيثار يعطى ما لابد منه.
ويقال القرض الحسن من العلماء عن مائتين خَمْسَة، وعلى لسان القوم بذل الكل، وزيادة الروح على ما يبذل.
قوله جلّ ذكره: {وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
يقبض الصدقة من الأغنياء قبض قبوله، ويبسط عليهم بسط خَلَفِه.
ويقال يقبض الرزق أي يُضَيق، يبسط الرزق أي يوسِّع؛ يقبض على الفقراء ليمتحنَهم بالصبر، ويبسط على الأغنياء ليطالبهم بالشكر.
ويقال يقبض تسلية للفقراء ليطالبهم حتى لا يروا من الأغنياء، ويبسط لئلا يتقلدوا المِنَّةَ من الأغنياء.
ويقال قال للأغنياء: إذا أنا قبضت الرزق على الفقراء فلا تذروهم، وإذا أنا بسطت عليكم فلا تروا ذلك لفضيلة لكم.
ويقال قَبَضَ القلوب بإعراضه وبَسَطَها بإقباله.
ويقال القبض لما غلب القلوب من الخوف، والبسط لما يغلب عليها من الرجاء.
ويقال القبض لقهره والبسط لِبِرَّه.
ويقال القبض لِسرِّه والبسط لكشْفِه.
ويقال القبض للمريدين والبسط للمُرادين.
ويقال القبض للمتسابقين والبسط للعارفين.
ويقال يقبضك عنك ثم يبسطك به.
ويقال القبض حقه، والبسط حظك.
ويقال القبض لمن تولَّى عن الحق، والبسط لمن تجلى له الحق.
ويقال يقبض إذا أَشْهَدَكَ فِعْلَكَ، ويبسط إذا أشهدك فضله.
ويقال يقبض بذكر العذاب ويبسط بذكر الإيجاب. اهـ.

.قال ابن عادل:

قال الواحديُّ: والقَرْضُ في هذه الآيةِ اسمٌ لا مصدر، ولو كان مصدرًا؛ لكان إقراضًا. و{حَسَنًا} يجوز أَن يكونَ صفةً لقرضًا بالمعنيينِ المذكورين، ويجوزُ أن يكونَ نعتَ مصدرٍ محذوفٍ، إذا جعلنا {قَرْضًا} بمعنى مفعول أي: إقراضًا حسنًا. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: ما وجه تسمية الصدقة قرضًا؟

فالجواب من ثلاثة أوجه:
أحدهما: لأن هذا القرض يبدل بالجزاء، والثاني: لأنه يتأخر قضاؤه إلى يوم القيامة، والثالث: لتأكيد استحقاق الثواب به، إذ لا يكون قرض إلا والعوض مستحق به. اهـ.

.فصل في ثواب القرض:

قال القرطبي:
ثواب القَرْض عظيم، لأن فيه تَوْسِعة على المسلم وتفريجًا عنه.
خرّج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسرِي بي على باب الجنة مكتوبًا الصدقةُ بعشر أمثالها والقرضُ بثمانية عشر فقلت لجبريل: ما بالُ القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة» قال حدّثنا محمد بن خَلَف العَسْقَلاني حدّثنا يَعْلَى حدّثنا سليمان بن يُسَيْر عن قيس بن رومي قال: كان سليمان بن أُذُنَانِ يُقرِض علقَمَة ألف درهم إلى عطائه، فلما خرج عطاؤه تقاضاها منه، واشتدّ عليه فقضاه، فكأنّ علقمة غِضب فمكث أشهرًا ثم أتاه فقال: أقرِضنِي ألف درهم إلى عطائي، قال: نعم وكرامة! يا أُمّ عُتبة هَلمي تلك الخريطةَ المختومة التي عندكِ، قال: فجاءت بها فقال: أما والله إنها لَدراهمُكَ التي قضيتني ما حركت منها درهمًا واحدًا؛ قال: فللَّه أبوك؟ ما حملك على ما فعلتَ بي؟ قال: ما سمعتُ منك؛ قال: ما سمعتَ مني؟ قال: سمعتك تذكر عن ابن مسعود أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يقرِض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة» قال: كذلك أنبأني ابن مسعود. اهـ.

.قال الثعالبي:

قال صاحب سِلاحِ المؤمن عند شَرْحه لاسمه تعالَى القَابِضِ البَاسِطِ: قال بعْضُ العلماءِ: يجبُ أن يُقْرَنَ بيْنَ هذَيْن الاسمين، ولا يفصل بينهما؛ ليكون أنبأَ عن القُدْرة، وأدلَّ على الحكمة؛ كقوله تعالى: {يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ}، وإِذا قلْتَ: القَابِض مفردًا، فكأنَّك قَصَرْتَ بالصفة على المنع والحرْمان، وإِذا جمعْتَ أَثْبَتَّ الصفتين؛ وكذلك القولُ في الخافضِ والرافعِ والمُعِزِّ والمُذِلِّ. انتهى، وما ذكره عن بعض العلماءِ، هو كلامُ الإِمام الفَخْر في شرحه لأسماء اللَّه الحسنى، ولفظه: القابضُ والباسطُ: الأحسنُ في هذين الاِسمَيْن أنْ يقْرَنَ أحدهما في الذِّكْر بالآخر؛ ليكون ذلك أدلَّ على القدرة والحكمةِ؛ ولهذا السببِ قال اللَّه تعالى: {والله يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ} وإذا ذكرت القابضَ منْفردًا عن البَاسِطِ، كنْتَ قد وصفته بالمَنْع والحرمانِ، وذلك غير جائز، وقوله: المُعِزُّ المُذِلّ، وقد عرفْتَ أنه يجبُ في أَمثالِ هذَيْن ذكْرُ كل واحد منهما مع الآخر. اهـ.

.قال في روح البيان:

اجتمع جماعة من الأغنياء والفقراء فقال غنى: إن الله تعالى رفع درجاتنا حتى استقرض منا، وقال فقير: بل رفع درجاتنا حتى استقرض لنا، والواحد قد يستقرض من غير الحبيب، ولك أن لا تستقرض إلا لأجل الحبيب وقبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودرعه عند يهودى بشعير أخذه لقوت عياله.
انظر ممن استدان ولمن استدان.؟؟!!! اهـ.

.قال القرطبي:

أجمع المسلمون نقلًا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف رِبًا ولو كان قبضة من علَفٍ كما قال ابن مسعود أو حبّة واحدة.
ويجوز أن يردّ أفضل مما يستلِف إذا لم يشترط ذلك عليه؛ لأن ذلك من باب المعروف؛ استدلالًا بحديث أبي هريرة في البكْر: «إنّ خِياركم أحسنكم قضاء» رواه الأئمة: البخاريّ ومسلم وغيرهما.
فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء، وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة.
وكذلك قضى هو صلى الله عليه وسلم في البِكْرِ وهو الفَتِيّ المختار من الإبل جملا خِيارًا رَباعِيًا، والخِيار: المختار، والرَّباعِي هو الذي دخل في السّنة الرابعة؛ لأنه يُلقِي فيها رباعيته وهي التي تلِي الثنايا وهي أربع رباعِيات مخففة الباء وهذا الحديث دليل على جواز قرض الحيوان، وهو مذهب الجمهور، ومنع من ذلك أبو حنيفة وقد تقدّم. اهـ.
وقال رحمه الله:
ولا يجوز أن يهدِي من استقرض هدية لِلمُقرِض، ولا يحِل للمقرِض قبولها إلا أن يكون عادتهما ذلك؛ بهذا جاءت السنة: خرّج ابن ماجه حدّثنا هشام بن عمار قال حدّثنا إسماعيل بن عَيّاش حدّثنا عُتبة بن حُمَيْد الضبيِّ عن يحيى بن أبي إسحاق الهُنَائي قال: سألت أنس بن مالك عن الرجل مِنا يقرض أخاه المال فيهدِي إليه؟ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقرض أحدكم أخاه قرضًا فأهدى له أو حمله على دابته فلا يقبلها ولا يركبها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك». اهـ.

.قال ابن القيم:

فصل في مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها:
وهم ثمان عشرة طبقة، وذكر منهم أهل الإيثار والصدقة، فقال ما نصه:
الطبقة السابعة: أهل الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم من تفريج كرباتهم ودفع ضروراتهم وكفايتهم في مهماتهم وهم أحد الصنفين اللذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالًا وسلطه على هلكته في الحق»، يعنى أنه لا ينبغى لأحد أن يغبط أحدًا على نعمة ويتمنى مثلها، إلا أحد هذين، وذلك لما فيهما من منافع النفع العام والإحسان المتعدى إلى الخلق، فهذا ينفعهم بعلمه وهذا ينفعهم بماله، والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
ولا ريب أن هذين الصنفين من أنفع الناس لعيال الله، ولا يقوم أمر الناس إلا بهذين الصنفين ولا يعمر العالم إلا بهما، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ الله ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أنفقوا مِنَّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262]، وقال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون} وقال تعالى: {إنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالمصَّدِّقَات وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 18] قال تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فَيْضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 542]، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 11]، فصدَّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمن لمعنى الطلب، وهو أبلغ في الطلب من صيغة الأمر، والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن فيجازى عليه أضعافًا مضاعفة؟ وسمى ذلك الإنفاق قرضًا حسنًا حثًا للنفوس وبعثًا لها على البذل لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولابد طوّعت له نفسه بذله وسهل عليه إخراجه.
فإن علم أن المستقرض ملى وفى محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه وينميه له ويثمرة حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجرًا آخر من غير جنس القرض وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاءٌ كريم فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهانًا لصاحبها.
وهذه الأمور كلها تحت هذه الألفاظ التي تضمنتها الآية، فإنه سبحانه سماه قرضًا، وأخبر أنه هو المقترض لا قرض حاجة، ولكن قرض إحسان إلى المقرض استدعاه لمعاملته، وليعرف مقدار الربح فهو الذي أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به، ثم أخبر عن ما يرجع إليه بالقرض وهو الأضعاف المضاعفة، ثم أخبر عما يعطيه فوق ذلك من الزيادة وهو الأجر الكريم.
وحيث جاءَ هذا القرض في القرآن قيده بكونه حسنًا، وذلك يجمع أمورًا ثلاثة: أحدها أن يكون من طيب ماله لا من رديئه وخبيثه. الثانى: أن يخرجه طيبة به نفسه ثابتة عند بذله ابتغاءَ مرضاة الله. الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذى. فالأول يتعلق بالمال، والثانى يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، والثالث بينه وبين الآخذ. اهـ.